رواية لحن الحياة بقلم الكاتبة سهام صادق

رواية لحن الحياة بقلم الكاتبة سهام صادق

 

الماضي هو من يٌبني عليه حاضرنا .. سمة شيء داخلنا يوجعنا كلما لاحت الذكري من حولنا كلما أراد قلبنا الحنين
البداية (1) رواية لحن الحياة
رواية لحن الحياة بقلم الكاتبة سهام صادق
*****
يقف بعيدا يجفف دموعه وهو يري آخر غير والده يحتضن والدته يقبل جبينها .. ووالدته تبتسم بأستحياء , وكأنه الرجل الأول بحياتها الفرحه كانت تعم المكان فالكل سعيد بهذا الزواج من أقاربهم.
فأبن العم الأرمل قد عاد ليتزوج بأمه الارمله.
وكأن القدر أراد ان يلتقوا بعد ان افترقوا.
وبعد وفاة ابيه منذ عامين عاد الحبيب يدق أبواب حبيبته من جديد فالفرصه قد سنحت له , ولها ولكن والدته في البداية رفضت بشده.
أما الان هاهي سعيدة وقد نست أبيه.
دموعه أنسابت دون توقف رغم محاولته المُميته بأن يمنع هبوطها…
فوالده ذات يوم أخبره ان الرجال لا يبكون ..
ورفع صورة والده ببذلته العسكرية وقلبه يتقطر ألما الي ان شعر بيد جدته الحبيبه علي كتفه الصغير.
– مش هتبارك لماما ياجاسم
فرفع عيناه نحوها فقد كانت تمسك بيدها اخيه الصغير”كريم” الذي يبلغ من العمر أربعة أعوام ..وشقهت بصدمه , وهي تري هيئته التي تُقطع البدن وأسرعت في ضمه اليها تربت علي كتفه بحنان.
ليسمع صوت والدته القريب منهم والتي ما ان رأت المشهد جثت.
علي ركبتيها أمامه باكية.
– انا اسفه ياحبيبي .. سامحني.
فأشاح وجهه بعيدا عنها ..
ثم ترك أحضان جدته وركض نحو غرفته الصغيره , ولم يخرج منها الا عندما رحلت هي وزوجها , وشقيقه الذي أخذته معها وتركته طفلا في الثاني عشر تحت رعاية جدته , وأصبحت علاقتهما مجرد زيارات حين يسمح عمل زوجها …ومن هنا بدأت حكاية .
………………………………………………………………………..
بدء الضجيج يعم منطقتها البسيطه الدافئه ..وصوت العم اسماعيل يعلو , وهو يهتف بأسم الصبي الذي يعمل معه في ورشته الصغيره , ففتحت عيناها ببطئ وأخذت تشعث شعرها بحركه معتاده عليها منذ الصغر.
ونهضت من فوق فراشها بمنامتها غير المتناسقه فكل قطعه من منامة أخري وفردت ذراعيها وهي تهتف :
– صباح الخير يامنطقتنا العظيمه.
وسارت نحو تلك المنضده الصغيره التي تحمل صورة والدتها :
– صباح الخير يا ماما .. وحشتيني اووي.
وسقطت دموعها وهي تتذكر يوم وفاتها , والذي مر عليه أربعة أعوام.
والدتها كانت امرأه عظيمه أفنت عمرها عليها.
وعلي شقيقتها التي تصغرها بعامين…
ولكن الغلطه الوحيده التي اقترفتها في حياتها أنها تزوجت من رجل متزوج يبحث عن زوجه كمجرد وعاء تحمل وتلد اختارها من قبل زوجته المُحبه وابنة العم الغاليه وام الذكور حاليا.
والتي لم تكن تنجب.
وفور ان حملت والدتها بشقيقتها “ورد” حملت الاخري بالتوأمين “كرم وأكرم” , وكانت هذه كالمعجزه ..فبعد عشرة اعوام من الزواج قد تحقق ما أملت به.
ومع مرور الوقت بدأت المشاكل تظهر الي ان جاء والدها ذات يوم , وهي فتاه في الخامسة من عمرها , ومازالت تتذكر ذلك اليوم بشدة .
فقد كانت تقف علي أعتاب باب حجرتها تحمل دميتها بيدها , وتنظر إلي دموع والدتها وهي تخبر والدها أنها أحبته وراضيه بأن يأتي إليها يوم واحد فقط بالأسبوع.
ولكن والدها العاشق لتراب زوجته الأولي كان رده الذي حفظته عن ظهر قلب.
– الحياه بينا انتهت يازينب .. بناتي هبعتلك فلوس ليهم كل اخر الشهر, وهبقي ازورهم من وقت للتاني ثم نطق وهو يزفر أنفاسه بقوه :
– أنتي طالق !
لتفيق علي صوت يهتف بأسمها من أسفل البناية التي يعيشون فيها وقد كانت إرث والدتها من والديها :
– ياست مهرة، ياست الأستاذه مهرة … مش هتفتحي محل البقاله عايزين نشتري طلباتنا.
لتتذكر امر بقالتها وتركض نحو المرحاض ,وضحكات ورد تعلو المكان وهي تضع اطباق الفطار علي المائده ,وبعد مده كانت تقضم احدي اللقم سريعا :
– عندي جلسة في المحكمه بعد الضهر .. أبقي اكويلي الروب وحضريلي الشنطه ,وحطي الأوراق بتاعت القضيه جواها لتضحك ورد وهي تطالعها :
– حاضر ياحضرت الافوكاتو .. علم وينفذ.
فضحكت مهرة وهي ترفع خصلات شعرها وتحكم في ربطها فتبدو وكأنها ناظرة مدرسه :
– اما أنزل بقي اشوف الواد بندق ده وكادت ان تلتف بجسدها , الا أنها عادت إلي كوب الشاي خاصتها ترتشف منه القليل ..ثم وضعته علي المائده مره أخرى , ولكن ألتقطته ثانية تحت نظرات ورد :
– لاء تعالا انت معايا محتاجه اكملك تحت , وانصرفت نحو الأسفل بهيئتها التي تشبه الصبيه في الملابس , ولكن كملامح رغم جمودها الا أنها تحمل وجه ملائكي تحاول ان تخفيه فهي رجل هذا البيت والرجال لا يحملون تلك الأوجه.
………………………………………………………………………
تردف بخزي امام حارس تلك البناية الراقيه التي لا يقنطها الا أصحاب المال, وبعد برهه كانت تغادر المصعد.
وهي تضم كتبها بذراعيها وتقاوم دموعها فوالديها اخبراها ان أحدهم تقدم لخطبتها ..
وأردفت لداخل الشقه التي شهدت حبهم المُحرم ,وأبتسم وهو يسمع خطواتها بعدما أغلقت باب الشقة التي تملك مفتاحها :
– جيتي ياحببتي
فأرتبكت مرام وهي تنظر اليه فكيف ستخبره اليوم ان يتعجل في أخبار أخيه بحبهم , وان يأتي ليتقدم اليها… 7 أشهر مروا على علاقتهما , ولا جديد يحدث الا تلك اللقاءات السرية التي تجمعهم , واقترب منها وقبل وجنتيها ثم حاوط خصرها بذراعيه مبتسما
وبدء يحرك قمة أنفه علي أنفها الصغير.
مداعبا اياها :
– مالك يامرام .. حد في البيت عندك حس بحاجه
فحركت رأسها بنفي ونظرت لعيناه التي هي سبب في عشقه وتصديق كل وعوده :
– انت هتيجي تتقدملي امتي ياكريم
فأبتعد عنها بضيق بسبب تلك الاسطوانة التي أصبحت تُرددها يوميا وسار نحو المطبخ يعد لنفسه فنجان قهوه لعله يفيق من سهرة أمس :
– قولتلك يامرام لما أثبت نفسي لجاسم الأول
فأتبعته برجاء وأحاطت خصره بذراعيها :
– ما انت بقالك 3 شهور شغال معاه في الشركة.. حتى قولتلي انه بدء يتبسط منك وطبعت بقبله علي ظهره وهي تهمس بحب :
– مبقاش ليا مبرر في رفض العرسان .. ديه اخر سنه ليا في الكليه.
ليلتف إليها وهو يزفر أنفاسه ويطالع قسمات وجهها.
فقد بدء يمل من تلك العلاقه ولكنه لا يستطيع أن يتركها
فظن أنه عندما يحصل عليها سينتهي من تأثيرها عليه
ولكن كل يوم يرغب بها بشده
وعندما ظهرت الرغبه في عينيه .. نظر الي ساعة معصمه وابتسم وقد ازاح حديثها خلف ظهره :
– مش مهم اتأخر علي الشركه ساعتين
وهتف وهو يسحبها خلفه نحو الغرفه :
– أنسي اي حاجه دلوقتي ومتفكريش غير في حبنا
وضاعت معه في الطريق الذي دخلته هي بأرادتها
فمنذ ان دخلت الجامعه الامريكيه التي حصلت علي منحتها من قبل الدوله كونها من أوائل الثانويه العامه أصبحت نظراتها نحو طبقات الأثرياء الي ان اقتربت منهم
وفي احدي أعياد ميلاد زميلاتها والتي تعد ابنة أحد السفراء تعرفت علي كريم وبدأت حكايتهم منذ عام ونصف.
وبعدما إنتهت جولة العشق المُحرمه … أسرع في النهوض من جانبها لتغطي جسدها بأعين دامعه.
وبعد دقائق كان يخرج من المرحاض وهو يُدندن ناظرا اليها يتفحص هيئتها أسفل الغطاء غامزا لها بمكر:
– كده الواحد يبدء شغله مع جاسم بطاقه.
لتبتسم اليه بأبتسامه ضائعه ..تتذكر كريم شقيق من فمن لا يعرف “جاسم الشرقاوي” في البلد.. ذلك الرجل الذي أصبح اسمه مميز في الوطن.. منذ أربع سنوات , والكل يتكلم عن الرجل الثلاثيني الذي عاد من خارج البلاد يستثمر امواله في وطنه بجانب أعماله التي مازالت.
بكندا
………………………………………………………………..
بحضوره الطاغي يخرج من سيارته الحديثه .. ينظر إلى البناء الضخم الذي يحمل اسم الشرقاوي , وبخطي دقيقه يسير نحو الصرح العظيم لمجموعته يُطالعه موظفينه برهبه وآخرين بحسد واخريات بحالميه ..
واقترب منه مدير أعماله يخبره ببعض المستجدات .. الي ان وصل للطابق الخاص الذي يقبع فيه مكتبه ..
فتقف مديرة مكتبه ” مدام مني ” تلك المرأه الاربعينيه والتي هي مثال للعقل المُحكم المُحنك فقاعدتها في الحياه العمل ثم العمل.
وبعد دقائق كانت مني تخرج من مكتبه بعدما طالعته على أوراق
المناقصه الجديده
ليرفع عيناه نحو مدير أعماله :
– كريم لسا مجاش
فيحرك ياسر رأسه بنفي .. ليزفر جاسم أنفاسه بقوه متمتما
– برضوه لسا مع البنت ديه
فطأطأ ياسر رأسه وهو لا يريد فضح أمر كريم أمامه…
ونهض من فوق مقعده بغضب :
– الوضع ده لازم يتحط ليه حدود
.. وأشار لياسر بالأنصراف ثم ألتقط هاتفه وبعد ثواني كان كريم يهتف بمرح :
– جاسم باشا
وقبل ان يكمل باقي عباراته
– عشر دقايق وتكون قدامي ياكريم … مفهوم
وأغلق الهاتف .. لينظر كريم لهاتفه ثم الي مرام التي تجلس جانبه تتشبث بكتبها وتطالع الطريق بأعين شارده وأخيرا اوصلها كريم الي جامعتها وانطلق نحو مقر المجموعه
……………………………………………………………………..
أردفت لداخل محل البقالة خاصتهم تُطالع شقيقتها التي تنظر الي هاتفها باحثة عن وظيفه لا تطلب خبره وتناسب شهادتها ولكن كالعاده كما هو لا شيء يناسب مؤهلها لتهتف مهرة بأرهاق :
– هاتي الكرسي اللي جنبك ده ياورد
فتنهض ورد بفزع فهي لم تشعر بقدوم شقيقتها
– بسم الله الرحمن الرحيم انتي جيتي امتي
فتقذق مهرة بحقيبة أوراقها نحوها بضجر :
– شايفني عفريت قدامك
فتطالع ورد هيئة شقيقتها في البذلة الرسميه التي تفتقر الانوثه :
– لا سمح الله .. اسفين ياأستاذه مهرة
وجلسوا بجانب بعضهم لتتسأل ورد :
– عملتي ايه في القضيه
لترفع مهرة جسدها بفخر :
– طبعا كسبتها
فتُعاود ورد الضحك .. لتنظر إليها مهرة بغضب وهي تضم حاجبيها وتنهض ورد نحو الطفل الذي جاء يأخذ الحلوي ضاحكه :
– نظراتك ديه بتخوفني
. فأبتسمت مهرة علي براءة شقيقتها ..
ورد هي النقيض لها حتى في المظهر ملابس انثوية محتشمه وحجاب يغطي شعرها .. وابتسامه ودوده دوما علي محياها ودفئ يُرسم علي ملامحها وقلب هش اما هي
كأمواج البحر هادئه مع البعض وأحيانا قطة متوحشة ,ولكن كما تخبرها ورد أنها طيبة القلب حنونه تظهر عكس مابداخلها تساعد ,وتقدم قدر استطاعتها الخير ولا ينقصها شيء الا ان تُكمل فرائض دينها ,وترتدي الحجاب الشئ الوحيد الذي لم تتخذ فيه قرار الي الان رغم عمرها الخامس والعشرون.
وتلملمت في جلستها وطالعة شقيقتها التي وقفت ساكنها في مكانها بعد ان باعت الحلوي للصغير.
فوقفت بدورها لتجد ماحطم فؤاد شقيقتها ف “ماجد” جارهم وكيل النيابه ,وحب شقيقتها وخطيبها السابق يخرج من سيارته هو وزوجته ابنة المستشار فمن سيليق به غير تلك كما أخبرتهم والدته.
منذ عام فسخت خطبة ابنها بشقيقتها لكونها لن تنفعه مستقبلا ..
فهي تريد لأبنها زوجه من عائلة عريقة تليق به وبمكانته ,وترفع مستواه وليس هم بنات رجلا هجر والدتهم ,وتركهم يُصارعوا الحياه بمفردهم ,ولا يسأل عنهم الا كلما رغبت زوجته وأعطته الأذن حتى الأموال مع الوقت بدء لا يتكفل بهم.
فزوجته رأت ان كل قرش يذهب إليهم من حق أولادها رغم ان وضع والدهم ليس بسئ , فهو لديه متجرين لبيع الأجهزة الكهربية وأيضا يعيش في منطقة تعد من المناطق الراقية.
ولكن هم ليس من حساباته كما أصبح هو بعيد عن حساباتهم وربتت.
علي كتف شقيقتها قائله بدعابه كي تهون عليها :
– حد يزعل علي واحد ابن امه
وكمان الواد ده مبينزليش من زور
فأبتسمت ورد بشحوب :
– الواد ده بقي يتقاله ياباشا
فأمتعض وجه مهرة ومصمصت شفتيها بطريقة مضحكه :
– باشا الله يرحم
وبدأت تسرد مواقفه المضحكه الي ان ضحكت ورد ووضعت يدها على فمها :
– بس كفايه
فأبتسمت مهرة وهي تضمها لحضنها :
– انا الود ودي أروح أضربه بوكس في وشه هو والست امه اللي بقيت في الرايحه واللي جايه انا ام حضرت المستشار
وعندما وقعت عيناها علي تلك السيده التي تهتف بصوت عالي :
– أهلا ببنت الناس الأكابر
لتزيح ورد بعيدا عنها وترفع أكمام سترتها :
– لاء وسعيلي كده بقي .. عشان هي جابت اخرها معايا هي والنغه ابنها
لتجذبها ورد هاتفة برجاء :
– الله يخليكى يامهرة ملناش دعوة بيهم
: فعادت مهرة للهدوء مجددا تضمها إليها بحب
– بكره يجيلك سيد سيده وهقعد واتشرط وأحط رجل علي رجل وفي الآخر هرفضه
فضحكت كل منهما .. لتسقط عين مهرة علي مرام التي تقف على مقربة منهم بوجه شاحب.
فمرام تقطن معهم في بنايتهم في الطابق الذي يعلوهم ,وتحبها مثل ورد شقيقتها رغم أنها بدأت تبتعد عنهم وتصنع لنفسها عالم وسط أناس تخشى عليها منهم
وتكمل مرام سيرها .. الي ان وصلت لشقتهم فتجد والدتها ووالدها جالسين يحتسون الشاي وعندما رأوها نهضت والدتها تلك المعلمه الفاضله…
فوالدتها ووالدها يعملون بمجال التدريس.
وقد جاؤا منذ اكثر من عشر سنوات الي القاهره مبتعدين عن المشاكل بين عائلتهم متطلعين لأبنتهم بحياة أفضل … وعاشوا في تلك الشقه, التي أعطتها لهم زينب ام مهرة وورد..
فوالدتها كانت من أقاربها ويكنون لبعض المودة, وهكذا أصبحوا يعيشون في نفس المنزل كل واحداً بشقه ,يدفعون أجر زهيد قد حددته زينب رحمها الله فهي تعلم بحال صديقتها وزوجها.
– اتأخرتي كده ليه ياحببتي وطالعت وجهها بقلق :
– مالك يامرام…
وشك أصفر كده ليه وربتت على كتفها بحنان :
– لو علي العريس شوفيه بس ياحببتي و احنا مش هنغصبك علي حاجه
لترفع مرام عيناها نحو والدها الطيب ليبتسم لها مؤكداً كلام والدتها
……………………………………………………………………..
أغلقوا محل البقالة سويا وصعدوا نحو شقتهم ووقفوا يعدوا الطعام معا الي ان جلسوا يأكلون بصمت
فتأملت ورد ملامح مهرة الشارده
– مالك يامهرة
فرفعت عيناها نحوها هاتفة بقلق :
– مرام بعدت عننا اوي ياورد .. حاسه ان فيها حاجه
فأشاحت ورد عيناها وهي تتذكر نفور مرام منها ومن صداقتها رغم أنهم كانوا كالأخوه
– هي اللي اتغيرت وبعدت عننا
ونظرت كل منهما لطبقها :
– قربي منها ياورد من تاني … ده انتوا كنتوا اكتر من أخوات
فحركت ورد رأسها الي ان نهضت مهرة قائلة بشبع :
– هدخل اريح شويه عشان انزل بعدين المكتب بتاعي
فأبتسمت ورد وهي تحمل الأطباق :
– معني كده اني اخد تلاميذي وأدرسلهم فوق السطوح لتومئ مهرة برأسها ضاحكة :
– كلك أحساس والله …. وما من ورد الا ان ضحكت
لتفتح مهرة ذراعيها بأرهاق :
– جيالك يافراشي العزيز ……فعادت ورد
تضحك علي شقيقتها متقلبة الأطوار تتمني لها السعاده.
ونظرت للساعة المٌعلقة فالوقت قد اقترب علي وصول أبناء الجيران لتُذاكر لهم بمبلغ من المال رغم قلته. الا أنه يسد حاجتهم بجانب محل البقالة وثمن ايجار شقة الأستاذ عادل.
والأستاذة صفاء والدي مرام وبعض القضايا الصغيره التي توكل الي شقيقتها من أهل منطقتها , والمناطق المجاورة وكلها قضايا لا تذكر , ولا يخرج منها المال الا القليل وها هم يعيشون بسعاده حامدين الله على رزقه ونعمه.
……………………………………………………………………….
جلس بأسترخاء يحتسي قهوته ويقرء أحد الكتب الاقتصادية وهو يضع بساق فوق ساق
إلى ان وجد كريم يهبط الدرج وهو يصفر ويعدل من هندام ملابسه ليزيح نظارته الخاصه بالقراءة عن عينيه ويطالع شقيقه :
– طبعا سهر وشرب زي كل يوم
فحرك كريم رأسه بالأيجاب :
– متحاولش تتعب نفسك معايا ياجاسم .. وفر كلامك ونصايحك فضحك جاسم بتهكم :
– وياريتك بتعمل حاجه بيهم
فتنهد كريم بضجر :
– عجباني حياتي كده ..خليك انت في نجاحاتك وشغلك وسار نحو الخارج ليهتف جاسم ببرود :
– تقطع علاقتك بالبنت اللي بتجيبها شقتك مفهوم
ولم يلتف اليه كريم
– لا الا همنع عنك الفلوس وكل الرفاهية اللي عايش فيها
فأغمض كريم عينيه فكل هذا الذي يعيش فيه هو من سنين غربة شقيقه وتعبه …
وشرد في الثلاث سنوات الماضيه يوم أن توفت والدته , وشقيقته التي أنجبتها من زواجها الثاني , وزوجها الذي كان يعده كأب له
كانت لحظه فاصله في حياته ..حولته من كريم المهذب المجتهد.
الي مجرد شاب يلهو بالأموال ويشرب المخدرات والخمر
وقبل أن تهبط دموعه ..أنصرف من أمام شقيقه وصوت جاسم يعلو :
– البنت ديه تنهي علاقتك بيها ..لا الا انا هتصرف
وزفر أنفاسه وهو يضم قبضتي يديه بقوه
……………………………………………………………………
جلست مهرة في مكتبها الصغير الذي كان في الأصل مخزن بضائع للبقالة
ورغم عدم رفاهية المكان الا انه كان نظيف ..تملئه كتب القانون
وخلعت نظارتها بعد ان أنهت قراءة أحد الكتب واخذت تفرك عنقها
لتجد مرام تتقدم نحوها بأعين باكية .. فكريم بالأمس أنهي علاقتهما وتركها دون رحمه
وعندما رأتها مهرة بتلك الهيئة ..نهضت من فوق مقعدها الخشبي وأقتربت منها بقلق
– مرام انتي بتعيطي .. طنط صفاء حصلها حاجه .. طب عمي عادل
فتعالت صوت شهقات مرام ..فأزداد قلق مهرة ..وكادت ان تركض لأعلي كي تطمئن عليهم الا ان يد مرام أوقفتها :
– انا ضعت يامهرة
وتابعت وهي تنظر لعين مهرة قبل أن تسقط أرضاً :
– انا …..
……………………………………………………..
أرتعشت شفتيها وهي جاثية أرضاً لا تقوي علي أخبارها بمصابها
كلماتها أنحصرت بين انا وكلمات ضياعها
فوقفت مهرة تُطالعها بخوف دب بقلبها .. وأنتبهت الي جلستها فأسرعت نحو كأس الماء الموضوع علي مكتبها وألتقطته
وقبل ان تلتف اليها وتعطيه لها
سقط الكأس منها ليتناثر زجاجه تحت قدميها :
– انا حامل يامهرة !
صدمه قاتلة تلقتها ..فمن يُصدق ان الفتاة التي تربت معهم
هي وشقيقتها وكانت كالشقيقه لهم قبل ان تبتعد عنهم
تفعل تلك الفعلة الشنيعه
وظنت للحظات ان ماسمعته كان مجرد تهيأت خلقها عقلها
ولكن مرام مازالت كما هي تجلس أرضاً تنتحب , وتلطم وجهها وتحكي لها عنه وكيف أحبته وصدقت , وعوده وتزوجته زواج عرفياً
, ووجدت نفسها تجلس أرضاً جانبها تمسك كفوفها المرتعشه بكفوفها المتعرقه .. وهزتها بقوه :
– قولي انك بتكدبي عليا … انتي بتكدبي صح
وتذكرت والدي مرام :
– قولي انك بتكدبي يامرام عشان خاطرهم .. قولي انك بتكدبي ومش هتكسريهم
فحدقت بها مرام بوجه شاحب وطأطأت رأسها بخزي :
– حبيته وضحك عليا … ساعديني يامهرة .. ساعديني
ولم تشعر بشئ بعدها الا صوت يأتي من بعيد يهتف بأسمها :
– مرااااام !
……………………………………………..
جلس كريم وسط رفقائه يحتسي الخمر وهو شارد فيما حدث أمس… مازال صوت توسلاتها يحاوطه
مازالت صدي كلماتها تخترق قلبه كالسهام
” انت ضيعتني منك لله “
وأخذ يرتشف من كأسه ببطئ الي ان وجد أحدهم يأخذ منه الكأس :
– فوق ياكريم انت كده بتضيع نفسك وبتدمر اللي حواليك
فرفع كريم عيناه نحوه قائلا بتهكم وبعقل غائب :
– قول لجاسم باشا أني سيبتها زي ماأمر
وضحك ساخرا وهو يضرب صدره بقوه :
– هي دخلت حياتي غلط
فأشفق ياسر عليه .. وجلس جانبه وهو يتنهد
ولا يعلم بما سيُجيبه
…………………………………………………….
أغلقت غرفة مكتبها بعدما وضعت مرام علي الأريكة التي توجد بالغرفه , وحمدت الله ان ورد في عرس إحدى رفيقاتها ..
ونظرت إلى مرام التي تمسح حبات العرق من علي وجهها , وترتشف من كأس الماء الذي بيدها الأخرى ومازالت تبكي
فجذبت مهرة أحد الكراسي , وجلست أمامها وقد أصبحت عيناها جامده :
– مين اللي عمل فيكي كده
فتعلثمت مرام ولم تستطع أخبارها بهويته فهو من وهم من :
– انطقي مين اللي عمل كده
فطالعتها مرام بخوف ثم طأطأت رأسها أرضاً :
– كريم الشرقاوي .. اخوه جاسم الشرقاوي
ثم تابعت بأرتجاف ونبرة مرتعشه :
– احنا مش قدهم يامهرة
فنظرت إليها مهرة بغضب :
– مين جاسم الشرقاوي ده
فهتفت مرام بخفوت :
– صاحب مجموعة الشرقاوي
لتحدق بها مهرة بقوه وهي تفكر بذلك الأسم .. الي ان أتسعت عيناها فور ان تذكرت أسمه
وكيف لا تتذكره وأحدي جارتها قد اطلقت زعروطتها المعتدين عليها فور حدوث اي حدث مهم بمنطقتهم لان ابنها عمل محاسب بشركته
غير شقيقتها ورد التي من أحلامها العمل بأحدي افرع مجموعة شركاته
وعادت بنظراتها نحو مرام الباكية وصوتها المرتجف :
– انا ضعت يامهرة .. ضعت وكسرت أهلي معايا
وتابعت وهي تكتم صوت شهقاتها :
– دول ممكن يموتوا فيها
وكادت ان تصرخ بها مهرة تُخبرها أين كان الندم قبل ان تفعل تلك الخطيئة ولكن وقت العتاب قد فات آوانه
وتمتمت بغضب ساحق :
– لو كان مين اخوه… مش هسيبهم وهرفع قضيه عليهم
لتمسك مرام بيدها وهي تشهق بخوف :
– لاء يامهرة انا كده هتفضح
وأخدت تلطم وجهها بقوه ثم بطنها :
– يارب اموت وأرتاح
لتقترب منها مهرة وتهز جسدها بقوه :
– وطي صوتك.. واخرسي خالص خلينا نفكر في حل للمصيبة ديه
وأبتعدت عنها وذهبت نحو كرسي مكتبها تجلس عليه
ثم جذبت أحد الأوراق من علي مكتبها وقلماً وبدأت ترسم دوائر ..فهذه هي وسيلة تفكيرها
الي ان لمعت عيناها .. ورفعت وجهها نحو مرام التي وقفت تطالعها بشفتي مرتعشه
………………………………………………………..
وقف امام سيارة شقيقه التي يقودها ياسر بعد ان اوصله للفيلا الراقية التي يعيشون فيها ومد يديه نحو كريم الذي لم يقوي علي الخروج من السياره
ونظر لياسر بأمتنان :
– شكرا يا ياسر
وأسند كريم وصعد الدرج نحو بهو الفيلا :
– امتي هتبطل الشرب
فضحك كريم وهو يتطوح بجسده عليه :
– أنت ليه محسسني اني عيل صغير قدامك
ودفع ذراعيه ووقف أمامه وهو يشير لنفسه :
بطل تعيش دور الاب بقي … ابويا مات من أربع سنين –
ليصرخ به جاسم بقوه :
– لاء أبوك مات من 22 سنه يااستاذ
وتابع وهو يضغط علي يديه بقوه
– ابوك الحقيقي
فدفعه كريم وهي يترنح في وقفته :
– أبعد عني .. انت قلبك حجر .. انت كنت بتكرههم
هي اترجتك كتير عشان تحبها وانت…
وقبل ان يُكمل باقي عباراته التي لم يشعر بقسوتها علي من يقف أمامه … ترنح بجسده للامام وكاد ان يسقط أرضاً
ليعود جاسم بأسناده وهو يتمتم :
مقدرتش أكرهها ولا أكرهه .. مكرهتهوش عشانك انت.. ولا حتي كرهت شهد
فهمس كريم أسمها بحنين وهي يتذكر شهد شقيقتهما التي توفت معهم بالحادثه :
– شهد !
ووصل الي غرفته ثم سقط بكامل جسده علي فراشه لينحني جاسم نحو اقدامه يزيل حذائه ..ثم عدل من وضع نومته وطالعه بحنان وألم
ليفتح كريم عيناه
ونظر اليه بأعين يتراكم بها الألم :
– ماما كانت بتحبك اووي ياجاسم
وابتسم قبل ان يغفو :
– وانا كمان بحبك … انا أسف
وسقط في بحور ذكرياته مع والدته وشقيقته وزوج والدته الذي أحبه وكأنه أباه لينظر إليه جاسم بحب ثم انصرف نحو غرفته هو الآخر
………………………………………………………………….
جلست مهرة علي فراشها تتفحص المعلومات الخاصه بأحد رموز الأقتصاد بالبلد .. وتمسك مفكرتها وتدون كل معلومه مهمه عن جاسم الشرقاوي
ووقفت للحظات امام صوره تنظر إلي وقفته التي تليق برجل أعمال مثله .. وأخذت تبحث عن كل صوره والتي لا تخلو من الشخصيات الهامه أقتصاديا او إعلاميا او سياسيا وزفرت أنفاسها بقوه
وهي تتأمل قسمات وجهه :
– لو انت جاسم الشرقاوي .. فأنا مهرة بنت زينب
ورفعت أصبعها نحو شاشة هاتفها تحركه امام صورته :
– قال رمز يفتخر بيه قال .. كنت ربي أخوك ياأستاذ
لتدخل ورد عليها في تلك اللحظه دون ان تطرق الباب… وتقترب منها قائله :
– انتي لسا منمتيش
ثم نظرت إلى المفكره اللي بجانبها وتسألت :
– انتي بتعملي ايه
فأرتبكت مهرة وأغلقت هاتفها ثم وضعت مفكرتها أسفل وسادتها :
– ديه مجرد معلومات بجمعها
فحركت ورد حاجبيها بمكر :
– ومالك أرتبكتي كده
فطالعتها مهرة بجديه مصطنعه تُداري ورائها أرتباكها :
– ورد الله يخليكي انا مصدعه اوي وعايزه انام… اطفيلي النور وخدي الباب في إيدك
فأبتسمت ورد ثم قفزت فوق الفراش بطريقه طفوليه :
– لاء انا عايزه انام جنبك النهارده
ففردت مهرة أحد ذراعيها وأبتسمت بحنو ليناموا جانب بعضهم ومهرة تمسح علي شعرها بحنان شاردة في أمر مرام ..
تتذكر لو ان شقيقتها من حدث معها ذلك
وعضت على شفتيها بقوة عازمة بأن تساعد مرام مهما كلفها الأمر ومهما كانت نفوذ ذلك من يدعي بجاسم الشرقاوي وأنتبهت على تأوه ورد :
– مهرة انتي بتشديلي شعري ليه ولا حنيتي للعبة سيب وانا أسيب فطالعتها مهرة دون فهم ثم نظرت الي يدها المُلتفه حولها خُصلات شعر ورد وتضغطت عليها بقوه
فتركت شعرها فهي لم تشعر بفعلتها فقد كانت تتخيل ذلك الفاسق “كريم” أمامها
وأبتسمت وهي تنظر إلي ورد ثم تذكرت تلك اللعبه التي كانوا يقطعون بها شعور بعضهم :
– معلش ياورد بس سرحت شويه في الراجل اللي في شارع اللي ورانا
فضحكت ورد بأستمتاع :
– هي مراته وكلتك في قضية الخلع
فحركت مهرة رأسها وهي تغمض عيناها بتثاوب
– نامي يلا ياورد .. بكره يوم طوويل وعايزه استعدله كويس …………………………………………………..
رفعت مرام يداها وهي تدعو الله ان يغفر لها ذلك الذنب ويسترها ووضعت بيدها علي بطنها تُفكر
ماذا سيحدث لو أنكر كريم أبوته بالطفل فهي علمت بحملها في نفس اليوم الذي قطع فيه ورقة زواجهم العرفي
………………………………………………………………….
تناولت مهرة طعامها سريعا وهي إلى الان لم تجد شئ يجعلها تقف نداً امام ذلك الرجل لتنظر إليها ورد بشك :
– انتي في حاجه قلقاكي يامهرة
لترفع مهرة عيناها عن طبق طعامها الذي تأكل منه ونظرت إلي شقيقتها :
– عليكي طبق فول يابت ياورد… تسلم أيدك
فأبتسمت ورد .. ثم تابعت مهرة عباراتها :
– فكريني اعملك عربية فول
لتضحك ورد وهي تكمل تناول طعامها :
– تصدقي فكره حلوه
وحركت يدها في الهواء وهي تهتف :
ونسميه فول ورد العظيم
– زي اسم فيلم محمد هنيدي (فول الصين العظيم)
لينفجروا ضاحكين … وأخدت مهرة كوب الشاي خاصتها :
– انا هنزل المكتب بقي … وانتي افتحي محل البقالة النهارده عشان عندي مشوار مهم بعد ساعتين
وقبل ان تسألها ورد عن مشوارها… انصرفت من أمامها سريعاً ونظرات ورد تخترقها :
– مش مطمنالك يامهرة
ونهضت تجمع الأطباق من فوق المائده وهي تُدندن
“…الحياه حلوه بس نفهمها “
……………………………………………
جلست بيأس في مكتبها فالوقت يمر ولم تجد إلي الأن شيء مفيد .. وكادت ان تغلق تصفح هاتفها ورؤية كل ماينشر عنه
وفجأه توقفت على أحد الأخبار الحصرية والتي صدرت اليوم وكان الخبر ينص علي ترشيحه لأحد المنظمات الهامه دوليا وهذا سيكون حدث لم يسبق حدوثه لرجل أعمال بالوطن ليتهلل أساريرها ..
فبالتأكيد سيخشي علي وضعه في عالم المال ..
فيبدو أن تلك المنظمه من المنظمات التي لا تسمح بأنضمام العرب الا نادرا وبحثت عن عنوان الشركه الرئيسيه والتي يتواجد بها دوماً
وهندمت من ملابسها التي كانت عباره عن بدلة رمادية اللون وعقدت شعرها كالمعتاد ثم ألتقطت نظارتها من درج مكتبها فأصبحت تبدو بهيئة الرجال
…………………………………………………………..
جلس على مكتبه بزهو فالخبر الذي أخبره به أحد معارفه خارج البلاد يبدو سيكون حقيقيا .. فالصحف الدوليه قد تحدثت علي المرشحين الجدد للمنظمه غير الصحف المحليه
كما ان رجال السياسه بالدوله هاتفوه ليخبروه انهم متوقعين وجوده في تلك المنظمه وأن تلك التنبؤات ماهي الا حقيقه ولكن لابد ان تخفي المنظمه للنهاية أسم أعضائها الجدد .. تلك هي قوانينها … ………………………………………………………..
وقفت مهرة أمام الشركه الضخمه تنظر حولها تستجمع قواها
وتعيد علي نفسها الكلمات التي ستُهاجمه بها
ولن تجعله ينطق بكلمه وسيُجبر اخيه علي الزواج ويعترف بالطفل وزفرت أنفاسها بقوه ثم تقدمت نحو الداخل ليسألها حارس الأمن عن وجهتها
فنظرت اليه بحنق :
– هو اي حد بيدخل هنا لازم تسأله رايح فين
ليحرك حارس الأمن رأسه :
– ديه جراءات يافندم
لتُطالع المكان بالداخل …فالمكان عريق كوجهته وعندما أستمعت لسؤال حارس الأمن مجدداً..
– طالعه …
وقبل ان تكمل باقي عباراتها وجدت فتاتان يخبران الحارس الآخر علي وجهتهم فهم لديهم مقابلة عمل
– ياأستاذه انتي مش بسألك طالعه لمين
لتحدق به مهرة لثواني وقد وجدت أخيرا اجابتها … فلو أخبرتهم أنها تُريد صاحب العمل سيصرفوها على الفور او سيخبروها بأخذ ميعاد مسبق :
– انا عندي مقابلة عمل
ليزفر الحارس أنفاسه بضيق :
– وكل ده عشان تقوليلي الكلمتين دول…
– اتفضلي ياأنسه عطلتيني
فنظرت اليه مهرة بأمتعاض .. مُتمتمه قبل ان تردف للداخل :
– يعني عطلتك على كوباية الشاي مثلا
لتسمع صوت ضحكات الحارس الآخر… اما هو وقف يطالع
أثرها بحنق
……………………………………………………………….

الفصل الأخير من رواية لحن الحياة بقلم الكاتبة سهام صادق

مرت بضعة دقائق وهي تبحث عن مكتب رئيس الشركه وقد ازداد حنقها من نظرات الموظفين لها
فالكل يتفحص ملابسها بطريقة ممله وأخيراً وجدت الطابق الذي به مكتبه… ونظرت إلي مكتبه الضخم
– وانا اللي فاكره الأوضة اللي كلها شبر ف شبر ديه مكتب … وفي النازله والطالعه أقول للبت ورد انا نازله المكتب انا طالعه المكتب..
ونفضت رأسها سريعا وهي تهتف داخلها
” مش وقت الأنبهار ده يامهرة “
وتقدمت للداخل لتجد سيدة مُنمقة ويبدو عليها الوقار …
فترفع مني وجهها نحوها متسأله وهي تتفحصها :
– شكلك تقصدي في أدوار الموظفين ياانسه
وأشارت إليها بالخروج وعادت لمطالعة أوراقها مجددا
لتضع مهرة يدها على الأوراق التي أمامها بحزم يخفي رهبتها من تلك المقابله :
– عايزه أقابل صاحب الشركه
فرفعت مني طرف عيناها من تحت نظارتها الطبيه :
– عندك ميعاد سابق
فهتفت مهرة بحنق :
– لاء معنديش
وبنفس الأصبع الذي أشارت به مسبقا كي تخرج…أشارت به بعد ان علمت اجابتها :
– أتفضلي ياانسه
ورفعت هاتف مكتبها حانقة :
– ازي موظف الأستقبال يطلعك هنا من غير ميعاد سابق وتركت مني سماعة الهاتف ونهضت خلفها مهرولة :
– انتي ياأنسه هطلبلك الأمن
وانتهت مني من تلك الكلمه عند دخول مهرة مكتب جاسم … لينهض من فوق مقعده متسائلا
– في ايه يامني
ونظر إلي مهرة وأشار عليها بأستياء :
– مين ديه
ليزداد أمتعاض مهرة من وقاحته :
– مدام الذوق والاحترام مبيجبش حاجه… نستخدم قلة الاحترام
وأشارت علي مني مثلما كانت تشير عليها :
– قول لسكرتيرتك تخرج ولا حابب تسمع فضايح المحروس أخوك كيمو
فتهجم وجه جاسم … وأقترب منها بغضب :
– أتكلمي عدل … بدل ماأطلبلك الأمن
لتقف مني تُطالع المشهد ..الي ان وجدت مهرة تجلس علي أحد المقاعد بأسترخاء :
– وماله خلينا نتكلم ونقول فضايحكم علي الملئ
فنظر جاسم نحوها بضيق… ثم الي مني
– أتفضلي انتي يامني على مكتبك
وعاد ينظر إليها بأشمئزاز فأبتسمت هي بفخر ووضعت بساق فوق الآخر ونفخت أنفاسها بالهواء وهي تُطالع نظراته المشمئزه :
– متخفش مافيش جراثيم
ليضرب جاسم كفوفه ببعضهم بغضب :
– لتقولي جايه ليها .. لتتفضلي تخرجي بره
ثم تابع بجمود :
– انا لحد دلوقتي بتعامل معاكي بهدوء ..شكلك متعرفيش انتي واقفه قدام مين
فتعالت ضحكاتها وهي تخبره بهويته :
– جاسم الشرقاوي .. حصلنا الرعب
ليتقدم جاسم نحوها وقبل ان يُبدي ردة فعل ..
نزلت كلماتها كالصاعقة …فتاة تحمل طفلا من أخيه وبعد دقائق كان يجلس على أحد المقاعد مفكرا في اﻻمر :
– وأحنا ايه ضمنا ان الطفل ابننا
ثم تابع بتهكم :
– ما يمكن أختك زي ماهي تعرف كريم تعرف رجاله تانيه لتنتفض مهرة من مقعدها بغضب :
– لاء اختي وخط أحمر انت سامع
فحدق بها جاسم ساخرا وأقترب منها ضاحكا :
المطلوب ؟
ثم تابع بعملية :
– عايزه كام ..مليون ولا أتنين
فأقتربت منه مهرة وقد ازداد بغضها لفظاظته … ورفعت سبابتها امام وجهه :
– وفر فلوسك لنفسك
وتابعت بنظرات ضيقه :
– كده نجيب بقي حقنا بالمحاكم واه تحاليل ال
تقدر تثبت كلامي DNA
وألتفت بجسدها .. فسمعت صوته :
– اتنين مليون ونص… والموضوع ينتهي
فضحكت وهي تتباطئ بخطواتها :
– مبرووك مقدما علي ترشيحك في المنظمه
وعندما فهم مقصدها :
– أستني عندك …انتي فكراني بتهدد
فعادت صوت ضحكاتها تعلو :
– لاء انا مبهددش بس… انا بنفذ علطول
وتابعت حركتها بمكر :
– كان في صحفي كده بيحبك اووي وماهيصدق الصراحه وألتفت نحوه وأخذت تُفكر ببرود
– أسمه ايه يامهرة… أسمه ايه
– اه افتكرت…هيثم فؤاد
وقبل ان يهتف جاسم بحرف … أردف كريم لداخل مكتب شقيقه متسائلا :
– جاسم انت فاضي ثم نظر لمهرة ..
لتبتسم مهرة لرؤيه وهي تعلم جيدا بهويته فقد وجدت أحد الصور تجمعهم سويا وعلمت أنه المدعو كريم
– مين ديه ياجاسم !
وفجأه صدح صوت صفعة قوية لتتسع عين جاسم وهو ينظر لأخيه الذي وضع بيده علي وجهه من أثر الصفعة
– القلم ده عشان تعرف ازاي تلعب ببنات الناس
وألقت بنظرة أخيرة علي جاسم الواقف يتابع المشهد بجمود…
وأقتربت من طاولة مكتبه ووضعت عليه كارتها الشخصي الذي يحتوي علي عنوان مكتب المُحاماه خاصتها
وسارت مرفعة الرأس أمام نظرات كريم :
– قدامك 24 ساعه بعدها انت عارف انا هعمل ايه
ثم نطقت ساخره :
– ياجاسم باشا
وبعد أن خرجت زفرت أنفاسها بقوه
لتنظر إليها مني ببرود..فأقتربت منها ومالت نحوها :
– حسبي ليطقلك عرق ياطنط
وابتعدت عنها وهي تُصفر بزهو
يتبع بأذن الله

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *